بقلم – محمد عبد العظيم
بذل فلاسفة الإغريق أعمارهم جهوداً مضنية في البحث عن ملامح الشخصية المصرية ، ومع بداية القرن العشرين ظهر سؤال الهُوية يتردد بقوة ويفرض نفسه على كل مفردات الحياة في مصر ، ورغم اعتقاد الكثرين أن الهتاف الخالد المصاحب لثورة 1919 ” عاشت مصر للمصريين ” انطرح وقتها سؤالاً جوهرياً عن الهُوية المصرية ، ذلك لأن الشخصية المصرية كانت البطل الرئيسي والقوة الفاعلة التي تحرك الأحداث على كافة المستويات لأن في تلك الفترة برغم مظاهر التقدم كنتاج مشروع النهضة الذي بدأ مع حكم محمد علي ، فلم يكن معلوماً لدى الغرب إلا أن مصر ما هي سوى ولاية عثمانية تحتلها بريطانيا العظمى – وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية ذهب زعماء مصر يسألون الإنجليز عن وضعهم – ويصف ” توفيق الحكيم هذه اللحظة في مشهد درامي من خلال كتابه ” مصر بين عهدين ” – فسأل الإنجليز ” وماذا بعد الاحتلال ؟ هل تعودون إلى الدولة العثمانية المنهزمة ؟ فكان الرد ” بل نعود إلى مصر ” فدهُش الإنجليز وسألوا : ما هي مصر ؟ وأكملوا : إننا لا نعرف شيئاً اسمه مصر إلا تلك البقعة الموجودة على الخرائط التي تتبع سياسياً الدولة العثمانية وحضارياً العربية ، أما مصر فأين هي ؟ وما هي مقوماتها ؟ وما هي شخصيتها ؟ – وأرى ؟أن هذه الأسئلة جاءت إما عن جهل الإنجليز تاريخ مصر أو بمعنى أدق تجاهلهم هذا التاريخ – إلا أن هذا السؤال أصبح مشروع الثقافة المصرية لعدة قرون وراح الجميع يبحثون عن شخصية مصر وعن هُويها في الأدب والمسرح والموسيقى ، فكتب الحكيم رواية ” عودة الروح ” ثم مسرحية ” أهل الكهف ” فجسد من لالها المراحل التاريخية التي مرت بها مصر في الوثنية التي ماتت ثم المسيحية بعد اضطهاد دقلديانوس إلى الإسلام ، بالإضافة إلى مشروع طه حسين وسلامة موسى ، فالأول كتب ” مستقبل الثقافة في مصر ” وكتب الثاني ” مصر أصل الحضارة ” ومن بعدهما جاء نجيب محفوظ فكتب في بداية حياته الأدبية ( عبث الأقدار – رادةوبيس – كفاح طيبة – مصر القديمة ) لا تخلوا موضوعاتها من دلائل للإجابة عن السؤال : ما هي مصر ؟ فأصبح السؤال وجوبياً ووجودياً فيما يتعلق بهُوية مصر فنجد شفيق غربال يكتب ” تكوين مصر ” وصبحي وحيدة ” في أصول المسألة المصرية ” وصبري السوربوني ” نشأة الروح القومية ” بالإضافة إلى الكتاب الأهم ” شخصية مصر ” لجمال حمدان وبذلك نجد مصر تتكون من حلقات في عمرها الطويل من تيارات فكرية متعددة ومختلفة ….. نوردها في مقالات تباعاً قدمة إن شاء الله
ايوا كدا